تلقى مرصد رقابة شكوى من مجموعة من موزعي المواد الغذائية عن فقدان مادة الأرز في السوق وعن استئثار المساحات التجارية الكبرى بالكميات المتاحة الموردة من طرف الديوان التونسي للتجارة وبالتقصي في الموضوع اكتشفنا كارثة حقيقية.
آلاف الأطنان في ميناء رادس وفي المخازن
الأرز موجود بآلاف الأطنان في ميناء رادس وفي مخازن الديوان التونسي للتجارة الطرف المورد لهذه المادة، ومهمل منذ أشهر عديدة في ما يقارب الألف حاوية، تتضمن كذلك بعض المواد الغذائية الأخرى كالقهوة والشاي. وأغلب الكميات المخزنة في حالة يرثى لها من التسوس والتعفن والروائح الكريهة.
تبين بمعطيات دقيقة أن الجزء الأكبر من الكميات المخزنة تقبع في الحاويات في الميناء لمدة تقارب 6 أشهر في فترة الحر والرطوبة القصوى تنتظر التفريغ والتخزين والمداواة. كما تبين أن ظروف نقل جزء من الكميات الموردة كانت سيئة جدا في حاويات متهالكة من الرطوبة وتسرب المياه ومع كميات مواد تبخير ضعيفة جدا.
تبين للمرصد أن السبب في مكوث حاويات الارز والقهوة والشاي كل هذا الوقت في الميناء هو التهاون وعدم الاكتراث وتأخير أولوية حاويات الديوان (الدولة) لتقديم أولوية حاويات خواص يدفعون الرشوة لتسريع التفريغ رغم أن الجميع يعلم أن فيها مواد غذائية لا تصبر كثيرا. تبين لفريق مرصد رقابة أيضا اتلاف كميات كبيرة من الأرز الفاسد تماما غير القابل للمداواة واعداد كميات أخرى للاتلاف.
تبين أيضا أنه تمت في الأيام الماضية مداواة بعض كميات الأرز مرات عديدة ومتكررة، وهو ما يمكن أن يمس من القيمة الاستهلاكية لهذه المادة في ظل ارتفاع نسبة رطوبتها وإمكانية ارتفاع نسبة الفطريات فيها. خاصة مع تواصل وجود حشرة السوس بأعداد هائلة. وهو ما يطرح إمكانية ان تكون هذه الكميات لم تتم معالجتها من المصدر.
وبالرجوع إلى شكاوي العديد من تجار الجملة التي وصلت لمرصد رقابة تبيّن إمكانية وجود محاباة لبعض المساحات الكبرى خاصة باعتبار استئثارها بترويج هذه المادة دون غيرها من باقي المراجعين. وهو ما يمكّنها من تحقيق أرباح من وراء ذلك في حين تسجل الدولة خسائر متراكمة من وراء سوء التصرف و اللامبالاة.
تبين لفريق مرصد رقابة أن خسائر الديوان التونسي للتجارة ومن ورائه الدولة التونسية في هذه العملية بالمليارات. وقد تحصل مرصد رقابة على مراسلة من وزير التجارة وتنمية الصادرات إلى وزارة النقل تتضمن معطيات دقيقة عن الكميات والخسائر والتكلفة المالية. وتشير المراسلة الى أن القيمة المالية للبضاعة المعنية في حدود 70 مليون دينار. وقيمة غرامات التأخير تجاوزت 2 مليون دينار.
تبين للمرصد أيضا وجود بعض الأطراف التي تسعى إلى استغلال مكانتها وصفتها لتحقيق مصالح وأرباح مرتبطة بنشاط تعبئة هذه المادة او مواد أخرى وذلك في إطار تضارب مصالح واضح، في مقابل تواصل تحمل الديوان ومن وراءه الدولة خسائر فادحة. وسنقوم بالكشف عن ذلك حال استكمال التقصي.
تبين من خلال المعاينة الحالة السيئة لكميات كبرى من الارز المورد من تسوس وتعفن في مختلف المراحل: في الحاويات وفي التخزين وفي الانتاج والتعبئة. واحتراما للمستهلكين أزلنا منه صور كميات السوس الرهيبة في الأرز.
المدير العام للديوان ووزير التجارة ورئيس الحكومة واللجنة البرلمانية المختصة يتحمّلون المسؤولية الكاملة من أجل ضرورة فتح تحقيق واتخاذ اجراءات صارمة من أجل منح الأولوية القصوى في التفريغ للحاويات التي تحمل المواد الغذائية المستوردة من طرف الدولة حتى لا تتكرر هذه الكارثة.
اتلاف كميات كبيرة من الحليب والبطاطا
قامت مصالح الديوان منذ مدة بإتلاف كميات كبيرة من الحليب البلجيكي المستورد قبل عام مع بداية اقتراب تاريخ نهاية الصلاحية هذا الشهر. مع تقديرات بإتلاف مئات ألاف اللترات. كما بدأت تلك المصالح منذ فترة باتلاف كميات متزايدة من البطاطا التي تم استيرادها قبل عام أيضا بعد تخزينها لمدة مطولة في مخازن التبريد التي يقوم الديوان بكرائها. الكميات الكبرى من المواد المتلفة تؤكد العشوائية وسوء التصرف الكبير في عمليات التوريد الظرفي لمواد غذائية لتعديل السوق في البلاد.
حيث يتم الدفع نحو توريد كميات كبرى، أحيانا بطريقة مصطنعة من طرف كبار الموزعين الذين يحجبون الانتاج المحلي قصدا لمدة مطولة عن السوق لرفع الأثمان، ويخرجون ذلك الانتاج مباشرة بعد توريد المنتجات الاجنبية للدفع الى تخزين المواد الموردة في مخازنهم على حساب الديوان والدولة، قبل الدفع الى بيع المواد المخزنة بأبخس الأثمان عند اقتراب نهاية صلاحيتها.
الحليب البلجيكي الذي تم توريد ملايين اللترات منه خلال سنة 2019 وتكفلت الدولة بدعمه بما يقارب 780 مليم للتر ليباع ب1120 مليم، لم يتم ترويجه بكثافة أثناء ذروة الطلب. وإنما تم تخزين كميات كبرى منه لمدة تفوق 6 أشهر. حتى اقتربت نهاية الصلاحية وألغى عدد من كبار الحرفاء (وزارة الدفاع) طلبياتهم، مما يدفع اليوم الى اتلاف نصيب من تلك الكميات.
سوء التصرف وشبهات الفساد واضحة في عملية التخزين وعدم الترويج أثناء ذروة الطلب لفسح المجال أمام الموزعين الخواص لمادة الحليب ومضاربي مادة البطاطا لتحقيق أرباح طائلة على حساب المال العام.
وجه مرصد رقابة طلب نفاذ الى المعلومة بخصوص عمليات الاتلاف الجارية للحليب والبطاطا. وقد تم تزويد بعض المساحات الكبرى بكميات من الحليب الذي تقارب صلاحيته على الانتهاء مع العودة الى الثمن القديم 1120 م في محاولة لإنقاذ بعض الكميات وتقليص الكميات المتلفة. سيطلب مرصد رقابة من رئيس الحكومة فتح تحقيق بخصوص الشبهات في عملية شراء وتخزين وإتلاف المواد الغذائية الموردة بشكل استثنائي لتحميل المسؤوليات واستخلاص العبر وإيقاف النزيف.